الاثنين، 30 يناير 2017

أوراق بيضاء/ بقلم /عواد المخرازي

أوراق بيضاء 
دخلت دكانه باكية خائفة ، متقطعة الأنفاس .
قالت له : أنا جوري .
تتأتئ الحديث ، الحقيقة أنا ل س ت.. جور ي ..اسم ي ..ل ي س جو ري ، مجهشة بالبكاء ..أنا في الح قي قة ..بائ عة الورد على ناصية.."تمسح دمعها " شارعك المقابل ، " تلتقط أنفاسها بصعوبة " التي كتبت قصتك عنها .أسمي "تم ام " ، لكن الناس يلقبونن ي بجوري ..
إنني يا سيدي ...إنقطع نفسها . وبكت ..
طلب منها الهدوء وقدم لها كأسا من الماء لتشرب ...وتهدأ.
وهل اعرفك من قبل . قال لها ؟!!
نعم أنت تعرف ني .. وإلا كيف كتبت عن بائعة الورد والمتسول ين في الشوارع ...!!
لكنني كتبت تقريرا صحفيا عاما . لا أخاطب به شخوصا . إجابها !!
...بعد أن هدأ روعها .
أستدركت قائلة : إنني يا سيدي أعيل أسرة من عشرة أشخاص .
ماذا.. قال مستغربا ؟؟؟؟
وهل تعيلين المحافظ ورئيس البلدية أيضا !!!!
إنك لا تصدقني . قالت له .لكنني اقسم على ذلك فأنا أنهيت الثانوية ، وظروف عائلتي اجبرتني على العمل ، فوالداي مريضان ، واخوتي الثمانية مختلون علقيا ، وأنا العقل الصحيح في هذه العائلة . اشتري الورد وأبيعه للزبائن في الشارع كمتسولة لأنفق عليهم . فالراتب الذي نتقاضاه من التنمية الأجتماعية بالكاد يسد أيجار المنزل .
وأن كتابتك عنا سلطت علينا ، رجال الامن وموظفي البلدية .
إنك لا تعرف عنا شيئا ..لتهاجمنا هكذا..
أننا متعبون جدا يا سيدي فقراء ..لا يشعر بنا أحد ..
إن الألم لا يشعر به إلا من به وجع ..وأن الجوع لا يحس به إلا صاحبه ..إنك لا تعرف عنا شيئا ..ولا عن حياتنا التي نقضيها بالتسول في الشوارع كبائعين أو شحادين ..طيلة حياتنا .
وهو صامت مذهول لا ينبس ببنت شفة !!!
فجأة صاح أحدهم لها ليشتري منها ورودا ..خرجت مسرعة إلى زبونها ..وطلب هو منها لتعود إليه من جديد ..
ما إن وصلت عربتها ..حتى قبض عليها رجال الامن وصادر رجال البلدية العربة الصغيرة و الورود .. 
رأى ذلك ..تبعهم حاول منعهم ..لكنهم لم يأبهوا له ..
واقتادوها ...معهم..
هو حتى لا يعرف مكان سكنها ليساعد عائلتها ..فهو متأكد أنهم سينامون بلا عشاء هذه الليلة .
بقي طوال الليل ..يفكر متعبا ...مما راى وسمع ..
في الصباح اتجه صوب المركز الأمني ليتكفلها وتخرج ..نظر إلى المهجع الذي وضعت فيه ..لم يكن يصدق ما رأى ..
منظرا مهولا ..عجوز هناك ..وعجوز هنا بلا يد ..وفتاة بلا قدم وأخرى ..مشلولة اليدين ..العشرات من المتسولين في هذا المهجع الصغير ..
وفي المنتصف كانت " تمام " ترمقه بنظرات عجيبة مزج في كل شيء معا.. العتب ، الغل ، الكره ، الخوف ....؛ والرجاء..
نظر جانبا كان هناك ..مهجع للرجال ..منظرا مهيبا. مخيفا جدا العشرات ...يجلسون متجاورين في ذلك الفضاء الضيق ...
مشلول ، اعمى ، مكسور ، مجنون ، اطرش . . منظر يوجع القلب ويتعب العقل . ويهز الشعور ..
ركض لمدير المركز من اچل كفالة ..لها .. رفض بشدة .مصرا على تطبيق القانون ..قائلا : " لا بد من سجنهم ...وتأديب هؤلاء المشردون ، فقد شوهوا صورة الوطن ، وأصبحوا عارا عليه " !!
عاد إلى منزله . كان ذلك التقرير وصمة عار ..سيطوق عنقه طوال حياتة الأدبية ....لن ينساه ما بقي في الحياة نفس ..
جلس ، تناول أوراقه ..بدأ بكتابة اعتذارا منهم ..
لكن القلم لم يكتب ..حاول مرة ومرة ...لم يفلح ..اشترى دزينة أقلام ..جربها واحدا واحدا ..لم تكتب أيضا !!
بقيت الاوراق بيضاء .....دمعت عيناه .. رياح باردة جدا دخلت فجأة من النافذة .. خطفت معها الاوراق ..وطارت في أعالي الفضاء .
عواد المخرازي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق